فصل: الشاهد السادس والثلاثون بعد التسعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن شأن العرب ومهلك حمزة ثم إجلاب بنيه على الحضرة وانهزامهم ومقتل معزوز بن همر وما قارن ذلك من الأحداث:

لما ملك السلطان أبو الحسن تلمسان وأعمالها وقطع دابر آل زيان واجتث أصلهم وجمع كلمة زناتة على طاعته واستتبعهم عصابة تحت لوائه ودانت القبائل بالانقياد له ورجفت القلوب لرعبه ووفد عليه حمزة بن عمر يرغبه في ممالك أفريقية ويستحثه لها ديدنه مع أبي تاشفين من قبله فكف بالبأس من غلوائه وزجره عن خلافه على السلطان وشقاقه ونهج له بالشفاعة سبيلا إلى معاودة طاعته والعمل بمرضاته فرجع حمزة إلى السلطان عائذا بحلمه متوسلا بشفاعة صاحبه راغبا بإذعانه وقلعه مواد الخلاف من العرب باستقامته فتلقاه السلطان بالقبول وأسعاف الرغبة والجزاء على المناصحة والمخالصة ولم يزل حمزة بن عمر من لدن رضى مولانا السلطان عنه وإقباله عليه صحيح الطاعة خالص الطوية مناديا بمظاهرة محمد بن الحكيم قائد عسكره وشهاب دولته على تدويخ أفريقية وتدويخ أعمالها وحسم أدواء الفساد منها وأخذ الصدقة من جميع ظاعن البدو الناجعة في أقطارها وجمع الطوائف المتعاصين بالثغور على إلقاء اليد للطاعة والكف عن أموال الجباية فكانت لهذا القائد آثار لذلك مهدت من الدولة وأرغمت أنوف المتعاصين بالاستبداد في القاصية حتى استقام الأمر وانمحت آثار الشقاق فاستولى على المهدية سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وغلب عليها ابن عبد الغفار المنتزي عليها من أهل رحيش واستولى على تبسة وتقبض على صاحبها محمد بن عبدون من مشيختها وأودعه سجن المهدية إلى أن أطلق بعد نكبته ونازل توزر من بعد ذلك حتى استقام ابن بهلول على طاعته للعصبية واسترهن ولده ونازل بسكرة غير مرة يدافعه يوسف بن منصور من بني مزني بذمة يدعيها من السلطان أبي بكر وسلفه ويعطيه الجباية بدفع ما كان من الاعتلاق بخدمة السلطان أبي الحس فتجافى عنه ابن الحكيم لذلك بعد استيفاء مغارمه وزحف إلى بلاد ريغة فافتتح قاعدتها تغرت واستولى على أموالها وذخيرتها وسار إلى جبل أوراس فافتتح الكثير من معاقله وعصفت ريح الدولة بأهل الخلاف من كل جانب وجاست عساكر السلطان خلال كل أرض وفي أثناء ذلك هلك حمزة بن عمر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة على يد ابن عون بن أبي علي من بني كثير أحد بطون بني كعب بطعنة طعنه غيلة فأشواه وقام بأمره من بعده بنوه وكبيرهم يومئذ عمر وداخلتهم الظنة بأن قتله باملاء الدولة فاعصوصبوا وتآمروا واستجاشوا بأقتالهم أولاد مهلهل فجيشوا معهم وزحف إليهم ابن الحكيم في عساكر السلطان من زناتة والجند ففلوه واستلحموا كثيرا من وجوههم ورجع إلى الحضرة فتحصن بها واتبعوه فنزل بساحتها ثلاثين وسبعمائة وقاتلوا العساكر سبع ليال ثم اختلفوا ونزل طالب بن مهلهل إلى طاعة السلطان فأجفلوا وخرج السلطان في جمادي من سنته في عساكره وأحزابه من عرب هوارة فأوقع بهم برقادة من ضواحي القيروان ورجع إلى حضرته آخر رمضان من سنته وذهبوا مفلولين إلى القفر ومروا في طريقهم بالأمير أبي العباس بقفصة فرغبوه بالخلاف على أبيه وأن يجلبوا به على الحضرة فأملى لهم في ذلك حتى ظفر بالمعز بن مطاع وزير حمزة وكان رأس النفاق والغواية فتقبض عليه وقتله وبعث بعدها على الحضرة ونصب بها ووقع ذلك من مولانا السلطان أحسن المواقع ووفد بعدها على الحضرة فبايع لها بالعهد في آخر سنته في محفل أشهده الملأ من الخاصة والكافة بايوان ملكه وكان يوما مشهودا قرىء فيه سجل العهد على الكافة وانفصلوا منه داعين للسلطان وراجع بنو حمزة الطاعة بعدها واستقاموا عليها إلى أن كان من أمرهم ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن مهلك الحاجب ابن عبد العزيز وولاية أبي محمد بن تافراكين من بعد وما كان على تفيئة ذلك من نكبة ابن الحكيم:

هذا الرجل اسمه أحمد بن إسماعيل بن عبد العزيز الغساني وكنيته أبو القاسم وأوصل سلفه من الأندلس انتقلوا إلى مراكش واستخدموا بها للموحدين واستقر أبوه إسمعيل بتونس ونشأ أبو القاسم بها واستكتبه الحاجب ابن الدباغ ولما دخل السلطان أبو البقاء خالد إلى تونس ونكب ابن الدباغ لجأ ابن عبد العزيز إلى الحاجب ابن عمر وخرج من تونس إلى قسنطينة واستقر ظافر الكبير هنالك فاستخدمه إلى أن غرب إلى الأندلس كما قدمناه واستعمله ابن عمر على الأشغال بقسنطينة سنة ثلاث عشرة وسبعمائة فقام بها وتعلق بخدمة ابن القالون بعد استبداد ابن عمر ببجاية فلما وصل السلطان أبو بكر إلى تونس سنة ثمان عشرة وسبعمائة استقدمه ابن القالون واستعمله على أشغال تونس ثم كانت سعايته في ابن القالون مع المزوار بن عبد العزيز إلى أن فر ابن القالون سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وولي الحجابة المزاور بن عبد العزيز وكان أبو القاسم بن عبد العزيز هذا رديفة لضعف أدواته.
ولما هلك ابن عبد العزيز المزوار بقي أبو القاسم بن عبد العزيز يقيم الرسم إلى أن قدم ابن سيد الناس من بجاية وتقلد الحجابة كما قدمناه فغص بمكان ابن عبد العزيز هذا وأشخصه عن الحضرة وولاه أعمال الحامة ثم استقدم منها عندما ظهر عبد الواحد اللحياني بجهات قابس فلحق بالسلطان في حركته إلى تيمرزدكت وأقام في جملة السلطان إلى أن نكب ابن سيد الناس وولي الحجابة بالحضرة كما ذكرت ذلك كله من قبل إلى أن هلك فاتح سنة أربع وأربعين وسبعمائة فعقد السلطان على حجابته لشيخ الموحدين أبي محمد بن عبد الله بن تافراكين.
وكان بنو تافراكين هؤلاء من بيوت الموحدين في تينملل ومن آيت الخميس وولي عبد المؤمن كبيرهم عمر بن تافراكين على قابس أول ما ملكها الموحدون سنة أربعين وخمسمائة إلى أن فتحوا مراكش فكان عبد المؤمن يستخلفه عليها أيام مغيبه عنها على الإمارة والصلاة ولما ثار بمراكش عبد العزيز وعيسى ابنا أومغار أخو الإمام المهدي سنة إحدى وخمسين كان مغيبه عنها على أول ثورتهم أن اعترضوا عمر بن تافراكين عند ندائه بالصلاة فقتلوه وفضحهم الصبح فاستلحمهم العامة ثم كان ابنه عبد الله بن عمر من بعده من رجالات الموحدين ومشيختهم ولما عقد الخليفة يوسف بن عبد المؤمن على قرطبة لأخيه السيد أبي إسحق أنزله معه عبد الله بن عمر ابن تافراكين للمشورة مع جماعة من الموحدين كان منهم يوسف بن وانودين وكان عبد الله المقدم فيهم وجاء ابنه عمر من بعده مشتغلا بمذهبه مرموقا بتجلته ولما ولي السيد أبو سعيد بن عمر بن عبد المؤمن على أفريقية ولاه قابس وأعمالها إلى أن استنزله عنها يحيى بن غانية سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة.
ثم كان منهم بعد ذلك عظماء في الدولة وكبراء من المشيخة آخرهم عبد العزيز بن تافراكين خالف الموحدين بمراكش لما نقضوا بيعة المأمون فاغتالوه في طريقه إلى المسجد عند الآذان للصبح بما كان محافظا على شهود الجماعات ورعاها له المأمون في أخيه عبد الحق وبنيه أحمد ومحمد وعمر فلما استلحم الموحدون وعمهم الجزع ارتحل عبد الحق موريا بالحج ونزل على السلطان المستنصر فأنزله بمكانه من الحضرة وسرحه بعض الأحايين إلى الحامة لحسم الداء فيها وقد كان توقع الخلاف من مشيختها فحسن غناؤه فيها وقتل أهل الخلاف وحسم العلل وولاه السلطان أبو إسحق على بجاية بعد مقتل محمد بن أبي هلال فاضطلع بها ولما ولي الدعي ابن عمارة أنه سرحه في عسكر من الموحدين لقهر العرب وكف عداوتهم فأثخن فيهم ما شاء ولم يزل معروفا بالرياسة مرموقا بالتجلة إلى أن هلك وكان بنو أخيه عبد العزيز وهم:
أحمد ومحمد وعمر جاؤا على أثره من المغرب فنزلوا بالحضرة خير منزل وغذوا بلبان النعمة والجاه فيها وكان أحمد كبيرهم وولاه السلطان أبو حفص على قفصة ثم على المهدية ثم استعفى من الولاية فعوفي.
وكان السلطان أبو عصيدة يستخلفه على الحضرة إذا أخرج منها على ما كان لأوله إلى أن هلك الأول المائة الثامنة سنة ثلاث ونشأ ابناه أبو محمد عبد الله وأبو العباس مد في حجر الدولة وجو عنايتها وأصهر عبد الله منهما إلى أبي يعقوب بن زذوتين شيخ الدولة في ابنته فعقد عليها وأصهر من بعده أخوه أحمد بن أبي محمد بن يعمور في ابنته فعقد له أيضا عليها واستخلص أبو ضربة بن اللحياني كبيرها أبا محمد عبد الله وآثره بصحبته فلم يزل معه إلى أن كانت الواقعة عليه بمصوح وتقبض على كثير من الموحدين فكان في جملتهم ومن عليه السلطان أبو بكر ورقاه في رتب عنايته إلى أن ولاه الوزارة بعد الشيخ أبي محمد بن القاسم ثم قدمه شيخا على الموحدين بعد مهلك شيخهم أبو عمر بن عثمان سنة اثنتين وأربعين وبعثه إلى ملك المغرب مع ابنه الأمير أبي زكريا صاحب بجاية صريخا على بني عبد الواد فجلى في خدمة السلطان وعرض سفارته وتوجه للإثيار بعدها إليه واختص بالسفارة إلى ملك المغرب سائر أيامه وغص الحاجب ابن سيد الناس بمكانه وهم بمكروهه فكبح السلطان عنانة عنه ويقال إنه أفضى إليه بذات صدره من نكبته ولما انقسمت خطط الدولة من الحرب والتدبير ومخالصة السلطان وتنفيذ أوامره بين ابن عبد العزيز الحاجب وابن الحكيم القائد كان له هو القدح المعلي في المشورة والتدبير وكانوا يرجعون إليه ويعولون على رأيه وكان ثالث أثافيهم ومصقلة آرائهم.
ولما هلك ابن عبد العزيز وكان السلطان قد أضمر نكبة ابن الحكيم لما كان يتعاطاه من الاستبداد ويحتجنه من أموال السلطان وأسر الحاجب ابن عبد العزيز إلى السلطان زعموا بين يدي مهلكه بالتحذير من ابن الحكيم وسوء دخلته وأنه فاوضه أيام نزول العرب عليه بساح تونس سنة اثنتين وأربعين كما قدمناه في الادالة من السلطان ببعض الأعياص من بني أبي دبوس كانوا معتقلين بالحضرة ألقاها الغدر على لسانه ضجرا من قعود السلطان عن الخروج بنفسه إلى العرب وسآمة ما هو فيه من الحصار واعتدها عليه ابن عبد العزيز حتى ألقاها إلى السلطان عند موته وبرىء منها إليه فأودعها إذنا واعية وكان حتف ابن الحكيم فيها ولما هلك وولي شيخ الموحدين أبو محمد بن تافراكين فاوضه في نكبة ابن الحكيم وكان يتربص به لما كان بينهما من المنافسة.
وكان ابن الحكيم غائبا عن الحضرة في تدويخ القاصية وقد نزل جبل أوراس فاقتحمه واقتضى مغارمه وتوغل في أرض الزاب واستوفى جباية من عامله يوسف بن منصور وتقدم إلى ريغة ونازل تغرت وافتتحها وامتلأت أيدي العساكر من سكاسبهم وخيلهم واتصل به خبر مهلك ابن عبد العزيز وولاية أبي محمد بن تافراكين الحجابة فنكر ذلك لما كان يظن أن السلطان لا يعدل بها عنه وكان يرشح له كاتبه أبا القاسم وازار ويرى أن ابن عبد العزيز قبله لم يتميز بها إيثارا عليه فبدا له ما لم يحتسبه فظن الظنون وجمع أصحابه وأغذ السير إلى الحضرة وقد آمر السلطان أبا محمد بن تافراكين في نكبته وأعد البطانة للقبض عليه وقدم على الحضرة منتصف ربيع من سنة أربع وأربعين وجلس له السلطان جلوسا فخما فعرض عليه هديته من المقربات والرقيق والأنعام حتى إذا انفض المجلس وشيع السلطان وزراؤه وانتهى إلى بابه أشار إلى البطانة فلحقوا به إلى محبسه وبسط عليه العذاب لاستخراج الأموال فأخرجها من مكان احتجانها وحصل منها في مودع السلطان أربعمائة ألف من الذهب العين أو مثالها أو ما يقاربها قيمة من الجوهر والعقار إلى أن استصفى ولما افتك عظمه ونفذ ماله خنق بمحبسه في رجب من سنته وذهب مثلا في الأيام وغرب ولده مع أمه إلى المشرق وطوح بهم الاغتراب إلى أن هلك منهم من هلك وراجع الحضرة علي وعبيد منهم في آخرين من أصاغرهم بعد أيام وأحوال والله يحكم لا معقب لحكمه.